حين تأسس مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1932، حمل على عاتقه مهمة صون اللغة العربية وتطوير أدواتها العلمية، وكان من بين أهم مشاريعه وضع معاجم لغوية وعلمية رصينة مثل المعجم الوسيط والمعجم الكبير ومعاجم المصطلحات. لكن هذه المعاجم ظلت لعقود طويلة في شكلها الورقي التقليدي، حبيسة الرفوف وخزائن المكتبات.
ومع تطور تقنيات الحوسبة وتزايد الحاجة إلى الوصول الفوري والدقيق إلى المعلومات اللغوية، وُلدت فكرة محرك البحث المعجمي https://www.arabicacademy.gov.eg/ar/search_engine، بوصفها استجابة واعية للتحديات المعاصرة التي تواجه الباحثين والمعلمين والطلبة.
من الفكرة إلى التنفيذ
بدأ العمل على المشروع في عام 2022م ضمن خطة طموحة تهدف إلى رقمنة المعاجم المجمعية وتحويلها إلى قاعدة معرفية رقمية قابلة للبحث والاستكشاف. شمل المشروع مراحل دقيقة تبدأ من تحويل الملفات الورقية أو المصورة (PDF) إلى ملفات قابلة للتحرير (DOC) باستخدام برامج التعرف الضوئي على الحروف (OCR)، ثم حوسبتها وفق تصميم موحد لقواعد البيانات، مرورًا بالتوسيم والمعالجة والتدقيق، ثم رفعها إلى محرك بحث خاص يتيح التفاعل معها عبر واجهة مرنة وسريعة.
محرك بحث معجمي ... لكن ليس كغيره
هذا المحرك البحثي المعجمي ليس مجرّد مربع بحث؛ بل هو منصة تجمع معاجم لغوية وعلمية وفنية متخصصة، تُعرض فيها المداخل المعجمية بدقة، مصحوبة بالتعريفات، والإحالات، والمصطلحات المقابلة باللغات الأخرى، وحتى الآيات القرآنية بالرسم العثماني.
لقد طُوِّر المحرك وفق معايير حديثة، تشمل خوارزميات تفهم الفروق الدقيقة بين الكلمات، وتقترح البدائل، وتسمح بالبحث المطابق أو البحث بالجذر، وحتى مقارنة المداخل.
جهد جماعي ... وإشراف دقيق
على مدار أكثر من ثلاثة أعوام، أشرف فريق متخصص - بقيادة الأستاذ الدكتور محمد فهمي طلبة (عضو المجمع) - على المشروع، بمشاركة لغويين، ومهندسي برمجيات، وخبراء بيانات؛ حيث بلغ عدد ساعات العمل المنجزة في مراحل الإشراف والحوسبة والتطوير الفني آلاف الساعات، وأسفر كل ذلك عن أداة لغوية تخدم العربية بكل مكوّناتها.
إن قصة هذا المحرك هي في الحقيقة قصة انبعاث جديد لمعاجم مجمع اللغة العربية بالقاهرة، لا بوصفه وثيقة تراثية فقط، بل أداة تكنولوجية قابلة للتطوير والاندماج مع أنظمة الذكاء الاصطناعي والمعالجة الحاسوبية.