منصور فهمي

منصور فهمي
1886 - 1959
(سابق 1933) أعضاء
نشأته

كان الدكتور منصور فهمي باشا أحد الفلاسفة الأدباء الذين ساهموا بقسط وافر في حركات الإصلاح في أوائل هذا القرن. التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل إلى القاهرة حيث التحق بإحدى المدارس الثانوية الفرنسية، ونال منها شهادة الدراسة الثانوية سنة 1906م، ثم التحق بمدرسة الحقوق، ولم يمكث بها طويلًا؛ لأن الجامعة المصرية القديمة كانت قد أعلنت عن بعثة للفلسفة إلى جامعة باريس، فتقدم لها وفاز في الامتحان. وسافر إلى فرنسا سنة 1908م حيث قضى هناك خمس سنوات درس فيها الفلسفة، كما درس بعض علوم أخرى مثل الجغرافيا الطبيعية، والفسيولوجيا، وعلم الأجنة. وتتلمذ على علماء وفلاسفة من الأعلام، أهمهم (ليفي بريل)، أحد أقطاب المدرسة الاجتماعية الفرنسية في أوائل هذا القرن، وفي باريس حصل على شهادات مختلفة آخرها الدكتوراه. وكان مولعًا منذ نشأته الأولى بالأدب العربي، وقد بلغ في كل من الأدبين العربي والفرنسي منزلة رفيعة. ولعل أهم الأحداث في حياته العلمية هو الموضوع الذي اختاره لرسالة الدكتوراه، فقد اختار "مركز المرأة في الإسلام" مدفوعًا بالتيار العام الذي كان ينادي بتحرير المرأة في تلك الأيام. وقد اعترضت الجامعة التي أوفدته على معالجته لهذا الموضوع، ولكن منصور الشاب أبت عليه حماسته أن يتراجع. ونوقشت الرسالة ونال أعلى درجات الشرف. ولما عاد من بعثته أسند إليه في الجامعة كرسي تاريخ المذاهب الفلسفية سنة 1913م. وكان هذا هو ما أعد له نفسه، لكنه لم يلبث أن استغنى عنه بعد ستة أشهر. وكان لهذا الحادث أثر في حياته، اتجه به نحو التحفظ وإيثار الحيطة في العمر الذي كتب له أن يعيشه. وعاد إلى الجامعة سنة 1920م وبقي فيها إلى أن أصبحت جامعة حكومية، وتدرج في المناصب الجامعية من أستاذ مساعد إلى أستاذ، ومن وكيل لكلية الآداب إلى عميدها. ثم اختير مديرًا لدار الكتب المصرية، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، إلى أن أحيل على المعاش سنة 1946م. وله إلى جانب هذا نشاط اجتماعي وثقافي وصحافي، فكان عضوًا عاملًا بجمعية الهلال الأحمر، وجمعية الشبان المسلمين، والاتحاد العربي، ورابطة الإصلاح الاجتماعي، والحزب الديمقراطي. ونشر بجريدة الأهرام عدة مقالات ومساجلات. ولم ينشر شيئًا من محاضراته الفلسفية في الجامعة ومدرسة المعلمين العليا، وقد اتجهت في أغلبها نحو الأخلاق والدراسات الاجتماعية. ألف كتاب خطرات نفس ضمنه طائفة من المقالات التي نشرها بين سنة 1915م و1930م. وأهم بحوثه رسالة الدكتوراه. وكان عضوًا مراسلًا للمجمع العلمي العربي بدمشق، وللمجمع الإيراني، وللمجمع العلمي العراقي. وحضر كثيرًا من المؤتمرات التي عقدتها المجامع.

نشاطه المجمعي:

عين الدكتور منصور فهمي عضوًا بمجمع اللغة العربية في أول مرسوم صدر بتعيين الأعضاء العشرين المؤسسين. وكان هو أحد العشرة المصريين من هؤلاء العشرين، وذلك في 6 من أكتوبر سنة 1933م. وانتخب كاتب سر المجمع في أول اجتماع لمجلسه سنة 1934م، وبقي في هذا المركز حتى لقي ربه. اشترك في كثير من لجان المجمع، مثل: لجنة العلوم الفلسفية والاجتماعية، ولجنة العلوم الطبيعية والكيميائية، ولجنة الأدب، ولجنة الجيولوجيا، ولجنة الأصول، ولجنة اللهجات، ولجنة المصطلحات الطبية، ولجنة نشر التراث القديم، كما اشترك في لجانه الإدارية بحكم منصبه كاتب سر للمجمع.

ومن البحوث التي نشرت له في المجلة:

1– تاريخ المجامع. (مجلة المجمع ج 1). 2– الأضداد. (مجلة المجمع ج 2). ذلك إلى الكلمات التي ألقاها في مفتتح الدورات، أو التي استقبل بها أعضاءً جددًا، أو أبَّن بها أعضاءً رحلوا إلى الدار الآخرة. فقد استقبل الأستاذ خليل السكاكيني. (د 15 جلسة 1 للمؤتمر – مجلة المجمع ج 7). والدكتور أحمد عمار. (د 17 جلسة 23 للمجلس – مجلة المجمع ج 8). والأستاذ الأمير مصطفى الشهابي. (د 21 جلسة 7 للمؤتمر – مجلة المجمع ج 11). وغيرهم. وأبَّن الأستاذ محمد كرد علي. (د 20 جلسة 1 مجلة المجمع ج 10). الأستاذ خليل السكاكيني. (د 20 جلسة 1 مجلة المجمع ج 10). الشيخ عبد القادر المغربي، والأستاذ عيسى إسكندر المعلوف. (د 23 جلسة 1 مجلة المجمع ج 13). الشيخ القاياتي. (د 24 جلسة 15 للمجلس - مجلة المجمع ج 14). وغيرهم. كما مثَّل المجمع في كثير من المؤتمرات، مثل المؤتمر الطبي العربي العشرين، والعيد الألفي لابن سينا، (د 17 جلسة 24 للمجلس) والمؤتمر الأول للمجامع اللغوية. (د 21 جلسة 12 للمجلس).

ومن الاقتراحات التي تقدم بها للمجمع واتخذ في بعضها قرارات نشرت في مجموعة القرارات العلمية:

1– تسمية المعاجم التي يؤلفها المجمع: الوجيز، الوسيط، البسيط. (د 1 جلسة 2). 2– أن الاصطلاحات العلمية والفنية والصناعية يجب أن يقتصر فيها على اسم واحد خاص لكل معنى. (د 2 جلسة 11، مجموعة القرارات العلمية). 3– أن يختار في شؤون الحياة العامة اللفظ الخاص للمعنى الخاص، فإذا لم يكن هناك لفظ خاص أتي بالعام وخصص بالوصف أو بالإضافة. (د 2 جلسة 11 - مجموعة القرارات العلمية). 4– تكوين لجنة لوضع رموز تدل على الكتب والمراجع التي يستند إليها في أخذ النصوص للمعجم اللغوي التاريخي. (د 2 جلسة 16). 5– نشر بيان موجز في الصحف لأعمال المجمع في دور انعقاده الثاني. (د 2 جلسة 35). 6– تأليف لجنة لبحث مسألة كتابة الألفاظ الأجنبية بحروف عربية. (د 3 جلسة 2). 7– إنشاء نظام لدراسة الأصوات واللهجات المختلفة وتقييدها بواسطة أسطوانات. (د 3 جلسة 34 - مجموعة القرارات العلمية).

وقد قدم عنه الدكتور إبراهيم مدكور في حفل تأبينه دراسة عميقة مسهبة، فيها تحليل لشخصية فيلسوف أديب، جمعت بينهما ثقافة "السوربون" وعضوية المجمع وزمالة جامعية، مع بقاء الاستقلال الشخصي المميز لكل منهما. ومن هذه الدراسة أرى من حق التاريخ أن أقتبس بعضها:

"عرفت الفقيد الكريم منذ ربع قرن أو يزيد. عرفته أستاذًا وعميدًا، وزميلًا مجمعيًّا، وعرفته محاضرًا وخطيبًا، كاتبًا وباحثًا، محدثًا ومناقشًا. عرفته فعرفت فيه حماسًا بالغًا لما ارتضته نفسه واطمأن إليه هواه. ولم يُضعِف هذا الحماسَ في شيء تقدمُ السن ولا مرور الأيام، حتى لقد كان يقف في شيخوخته مواقف تعز على بعض الشباب، عرفته فعرفت فيه التصويب إلى الهدف والحرص على الغاية.. عرفته فعرفت فيه السبَّاق إلى القول، والراغب في مخاطبة الجماهير، لا يتردد في أن يرفع الصوت جهرة إن حانت الفرصة أو دعا إلى ذلك داعٍ.. أما بحوثه فأهمها رسالته للدكتوراه، وفيها منهج قويم، ودرس واستيعاب، ووقوف على أهم المصادر الإسلامية، وإن خرج الحماس ببعض أحكامها عن دائرة الموضوعية العلمية، إلا أنا نعتقد أن هناك بحوثًا إسلامية أخرى أعمق نقدًا، ولم تصادف ما صادفت هذه الرسالة من لوم واعتراض... وهنا نصل إلى نقطة حاسمة في نشاط منصور فهمي المجمعي. لا شك في أنه كان مجمعيًّا بقلمه ولسانه، بقلبه وبفكره، ولكنه من ذلك الفريق الذي يؤثر التريث والأناة على البت والقطع، وإذا كان لكل هيئة جناحان: أيمن للارتكاز والتوقف، وأيسر للعدو والحركة، فإنه كان من دعائم الجناح الأيمن للمجمع اللغوي... هذا هو منصور فهمي فقيد الجامعة والمجمع، فقيد العلم والأدب، فقيد المنبر والقلم، عاش لغيره أكثر مما عاش لنفسه، وساهم في تكوين جيل من الفلاسفة والأدباء، وارتبط ببعض المنشآت التي أضحى جزءًا منها وكانت شغله الشاغل، وهو في كل هذا أقرب إلى الجد منه إلى المرح، وإلى الهدوء والرزانة منه إلى الاندفاع والحركة، برغم ما يبدو عليه من حماس ظاهر، وصوت جهوري؛ وكأنما كان يخشى التجديد السريع الذي لا يقوى على حملات القديم واعتراضاته، والإصلاح الجريء الذي لا يتمشى مع العرف والعادة، أو لا يرتضيه ذو الجاه والسلطان؛ وقد يكون لصدمة رسالته للدكتوراه شأن في ذلك". (مع الخالدين ص 90 – 95). وفي عنق مؤلف هذا الكتاب أن يسجل له فضلًا في تشجيع البحث العلمي، عندما كان مديرًا لدار الكتب فقد أردت استعارة مخطوط لاستكمال بحث حافز، فأمر بتفسير للائحة إعارة المخطوطات يتيح للعلماء الباحثين مالا يتاح للقراء العاديين. رحم الله صاحب هذا الفضل.

- -