محمد خلف الله أحمد

محمد خلف الله أحمد
1904 - 1983
(سابق 1959) أعضاء
نشأته

نشأ الأستاذ محمد خلف الله أحمد في قرية العمرة بمحافظة سوهاج في سنة 1904م في بيئة تعنى بالدراسات العربية والإسلامية، فحفظ القرآن الكريم صغيرًا كما حفظ طائفة كبيرة من الشعر العربي القديم وحديثه، وتعلم في المدارس الابتدائية والأولية الراقية والقسم النظامي بالأزهر، والتحق بالمدرسة التجهيزية لدار العلوم في أول إنشائها سنة 1920م، فنال منها شهادة الدراسة الثانوية ثم دخل القسم العالي بدار العلوم فأحرز دبلومه سنة 1928م، وكان في سنوات دراسته وشهادته أول فرقته. وفى أثناء مرحلة دار العلوم بقسميها مثَّل معهده في لجان الطلبة التنفيذية، وعرف بين صفوف الشباب باسم "شاعر الطلبة"، وكان كبار الشعراء: (شوقي وإسماعيل صبري ومطران وحافظ وعبد المطلب) يعجبون بشعره كما كان أساتذته وزملاؤه يعجبون بمقدرته الأدبية وثقافته الواسعة. وفي سنة 1929م سافر في البعثة العلمية إلى إنجلترا فدرس علوم الفلسفة في جامعة لندن، ونال بكالوريوس الشرف سنة 1934م، ودرس علم النفس فأحرز فيه درجة الشرف المعادلة سنة 1936م. وأعد رسالة الماجستير في موضوع "الأحكام الخلقية عند أطفال المدارس وعلاقتها بالعمر العقلي" قبلتها جامعة لندن وأذنت بنشرها ومنحته بها درجة الماجستير في الآداب سنة 1937م. وفي أثناء هذه المدة ندب محاضرًا بعض الوقت بمدرسة اللغات الشرقية بلندن، وانتخب سكرتيرًا للنادي المصري بلندن مدة عامين، ونظم بالاشتراك مع زملائه مؤتمرات سنوية للطلاب المصريين في إنجلترا بمناقشة أوجه الإصلاح في حياة المجتمع المصري، وألقى عددًا من المحاضرات عن نهضة مصر الحديثة في هيئات الروتاري وبعض الجمعيات الدولية، وشارك في العيد الألفي للمتنبي الذي أقيم في لندن سنة 1936م، ونَشَرَ في مجلة الشعر البريطانية بتلك المناسبة مقالًا عن "فلسفة المتنبي من شعره". عاد إلى مصر سنة 1937م فدرّس في دار العلوم مدة قصيرة، ثم نقل في العام نفسه مدرسًا بكلية الآداب جامعة القاهرة فشارك في تدريس الأدب والنقد بقسم اللغة العربية بها، وعهد إليه في تنظيم دراسة خاصة لطلبة الماجستير عن "صلة علم النفس بالأدب"، وقام برياسة أسرة الشعر بالكلية، وأشرف على تنظيم مهرجاناتها السنوية. وندب لبعض المحاضرات في معاهد التربية وكليات الأزهر. وحين أنشئت جامعة الإسكندرية سنة 1942م نقل إليها مدرسًا وترقى في مناصبها العلمية إلى أن أصبح رئيسًا لقسم اللغة العربية وآدابها سنة 1948م. ثم انتخب عميدًا للكلية سنة 1951م، وجدد تعيينه في العمادة مرات ـ حتى عين وكيلًا لجامعة عين شمس في سنة 1961م إلى أن بلغ سن التقاعد في سنة 1964م. ثم اختير مديرًا لمعهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية، وشغله عدة سنوات. وقد شارك في تمثيل وزارة التربية والتعليم، وجامعة الإسكندرية، والمجلس الأعلى للفنون والآداب، في عدد من المؤتمرات الدولية، كمؤتمرات المستشرقين في باريس، وكمبردج، واليونسكو ببيروت، والمؤتمر العربي الثقافي بلبنان والإسكندرية، ومؤتمرات الثقافة الإسلامية في أمريكا وباكستان، ومؤتمر الكتاب الآسيويين والأفريقيين في طشقند، ومؤتمر المعلمين العرب ومؤتمرات الأدباء العرب. وفي سنة 1958م اختير ممثلًا لجامعة الإسكندرية في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وجدد اختياره سنة 1960م، ثم أصبح ممثلًا لجامعة عين شمس في هذا المجلس. وقد انتخب وكيلًا لمجلس إدارة جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية، وعضوًا في مجلس إدارة معهد الخدمة الاجتماعية بها، ومقررًا للهيئة الإقليمية للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بمدينة الإسكندرية. وعين عضوًا بالمؤتمر الإقليمي والمؤتمر العام للاتحاد القومي للجمهورية العربية المتحدة، كما عين عضوًا باللجنة الفنية الدائمة للفنون والعلوم والآداب والثقافة بالمقر الرئيسي للاتحاد القومي، وعضوًا باللجنة التحضيرية والمؤتمر الوطني للقوى الشعبية، ومقررًا للجنة الوحدة به، وعضوًا بالشعبة القومية لليونسكو، ومقررًا للجنة الشرق والغرب بها، وعضوًا بالمجلس الأعلى لمعاهد المعلمين بوزارة التعليم العالي.

وقد نشر الأستاذ خلف الله عدة كتب، منها:

1- الطفل من المهد إلى الرشد. 2- كيف يعمل العقل "ترجمة" (الجزء الثاني). 3- دراسات في الأدب الإسلامي. 4- من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده. 5- ثلاث رسائل في إعجاز القرآن الكريم - تحقيق وتعليق (بالاشتراك). 6- الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة. 7- الإسلام والحضارة (مجموعة أحاديث إذاعية)، نشرتها وزارة الثقافة والإرشاد القومي. 8- معالم التطور الحديث في اللغة العربية وآدابها. 9- حفني ناصف: باحثًا وكاتبًا. 10- كتب في الأدب والنصوص وفي التربية الدينية لمدارس وزارة التربية والتعليم (بالاشتراك). هذا عدا طائفة من المقالات والبحوث نشرت في دوائر المعارف وأعمال مؤتمرات المستشرقين ومؤتمرات الثقافة الإسلامية والمجلات العلمية في مصر والخارج بعضها بالعربية وبعضها بالإنجليزية، منها مقاله عن "المراحل الأولى من تطورات العربية الفصحى". وقد نشر في دائرة المعارف الإسلامية، وبحثه عن "أثر العرب في تطوير البلاغة والنقد الأدبي" في دائرة المعارف الباكستانية.

نشاطه المجمعي:

انتخب الأستاذ محمد خلف الله أحمد عضوًا عاملًا بمجمع اللغة العربية في سنة 1959م، في المكان الذي خلا بوفاة الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين. وأسهم في نشاط المجمع، طيلة ربع قرن منذ سنة 1959م وحتى سنة 1983م، إسهامًا فعالًا. وقد تجلى نشاطه في أعمال المجلة والمؤتمر ولجانه، وخاصة لجنة المعجم الكبير، ولجنة ألفاظ الحضارة، ولجنة العلوم الفلسفية والاجتماعية، ولجنة معجم العلوم الاجتماعية، ولجنة الأدب، ولجنة الأصول، التي له فيها بحوث قيمة بين تقاريرها، وقد نشر مجموعة القرارات العلمية للمجمع في ثلاثين عامًا.

أما البحوث التي ألقاها في المجمع فهي:

1- كلمة في حفل استقباله بالمجمع. (د 26 جلسة 11 - مجلة المجمع ج 14). 2- الثقافات القديمة وحركة الترجمة العربية في القرن الماضي. (محاضر المؤتمر د 27 جلسة 4 - البحوث والمحاضرات). 3- ابن قتيبة والتوجيه اللغوي للكتاب، (ألقي في دورة مؤتمر المجمع ببغداد 1965م). وقد اقترح فيها: (أ) اتصال المجمع بالجمهور عن طريق نشر أعماله وقراراته ومصطلحاته على نطاق أوسع. (ب) العمل على التمكين للفصحى بالتوسع في استعمالها في تدريس مختلف المواد وفي ميادين الحياة تدريجيًّا. (جـ) إكمال ما بدأه المجمع من دراسة اللهجات العربية الإقليمية دراسة شاملة، تكشف من جهة عن عوامل الخصب والحياة في قاموسها، وتعبيرها، وصورها، وأخيلتها، لنفيد منها في إغناء الفصحى، وتنميتها؛ وتكشف من جهة أخرى عما في تلك اللهجات من العناصر الدخيلة والأوضاع المنحرفة لترسم الخطة لمحاربتها والقضاء عليها. 4- مستقبل الفصحى. (مؤتمر د 34). 5- الموهبة الشعرية ووظيفة الشعر عند شوقي. (مؤتمر د 35). 6- محمود تيمور موجهًا أدبيًّا. (مؤتمر د 40). 7- رحلة طه حسين مع الشعر العربي. (مؤتمر د 41). 8- الأدب العربي المعاصر. (مجلة المجمع ج 45). 9- كلمة في تأبين الأستاذ محمود تيمور. (مجلة المجمع ج 33).

وقد قال عنه الأستاذ إبراهيم مصطفى يوم استقباله:

"يبذل جهده في دأب وصبر، وتمسك بأخلاق العلماء، وحرص على التقاليد الجامعية، ومشاركة مثمرة في توجيه الطلاب، وإشراف على الرسائل العلمية، ومساهمة في تمثيل بلده وجامعته في المؤتمرات القومية والدولية". (مجلة المجمع ج 14).

وقد أبَّنه نيابة عن المجمع الأستاذ عبد السلام هارون، وجاء في كلمته:

"إذا عرجنا علي نشاطه المجمعي نراه قد أسهم طيلة ربع قرن إسهامًا فعالًا، نجد ملامحه في أعمال المجلس ومؤتمراته ولجانه؛ فهو عضو في لجنة المعجم الكبير، ولجنة ألفاظ الحضارة، ولجنة العلوم الفلسفية والاجتماعية، ولجنة معجم العلوم الاجتماعية، ولجنة الأدب، ولجنة الأصول التي له فيها بحوث ممتازة". (د50 الجلسة 7 للمجلس).

وقد قال عنه الدكتور إبراهيم مدكور، رئيس المجمع، في افتتاح حفل تأبينه:

"لقد كان خلف الله جوهرة نادرة في صفائها وصدقها، كريمة في قيمتها. وقد لمس منه هذا كل من اتصل به وعاشره. وقد كان لي صديق العمر. ويالها من صداقة كانت حلوة عذبة، وأخوة صادقة صافية على طول المدى، لم يشبها شائب، ولم يعكر صفوها معكر. لقد عرفته منذ سن مبكرة، جمع بيننا معهد واحد، وتناقشنا تناقش الشباب، دون أن يعدو ذلك في شيء على صداقتنا ومودتنا". ويعتز مؤلف هذا الكتاب بصداقة وزمالة دامتا أكثر من ستين عامًا مع هذه الشخصية الكريمة التي كانت تشع مودة وصفاء وعلمًا. جمعتنا دار العلوم علمًا وأدبًا وشعرًا؛ وارتفع فيها شعرنا إبان الثورة الوطنية بعد أن التحق بالقسم التجهيزي، وساهمنا في الاحتفال بالعيد الألفي للمتنبي سنة 1936م، في دار السفارة المصرية بلندن، وتقاسمنا مسؤولية اللجان لترقية الأساتذة في اللغة العربية وآدابها، وفى اللغة الإنجليزية وآدابها، في الجامعات المصرية حقبة طويلة، وتزاملنا في عضوية المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وفي نشاط لجنة الدراسات الأدبية فيه، كما تزاملنا في عضوية هذا المجمع الذي أعدّ له هذه الترجمة، وساهمنا متلازمين في معظم لجانه وعلى الأخص لجنة المعجم الكبير، ولجنة الأصول، ولجنة الأدب. وسعدنا بالاشتراك في عضوية مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وكنا من مؤسسيه في أول دفعة تكوينه، وأشرفنا معًا على إخراج "التفسير الوسيط" الذي مازال يصدر. كما أخرجنا تحقيق الجزء الأول من "شرح السنة" للبغوي. وشرفتنا الكلية الأم "دار العلوم" بعضوية مجلسها منذ نحو عشرين عامًا. وعندما قعد به المرض في السنتين الأخيرتين من حياته، ولزم بيته في الإسكندرية، لم تنقطع مكاتبتنا. وقبل وفاته لأيام كتب إليَّ مهنئًا بوسام فرددتُ عليه بشعر أوله: أثرتَ شجوني، أنت أولى بحمله... ولمَّا لم يأتني منه رد انزعجت، وكتبت له رسالة قصيرة قلت فيها: "أرسل لي كلمة تقول: أنا بخير". ولكن كان قد حمَّ القضاء. رحم الله هذه النفس الزكية، رحم الله من كان خير رفيق على الطريق.

- -