محمد الحبيب بن الخوجة

محمد الحبيب بن الخوجة
1920 - 2012
(سابق 1971) أعضاء
نشأته

ولد الدكتور الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة بتونس العاصمة في سنة 1920م، وتلقى تعليمه الأولى في المدرسة القرآنية الابتدائية، ثم انتقل إلى المدرسة الصادقية، والتحق بجامع الزيتونة حيث أتم دراسته الثانوية والعالية، وقد حصل على شهادة الحقوق التونسية، ثم حصل على مناظرة التدريس من الطبقة الثانية، وبعد ذلك التحق بجامعة باريس، وحصل منها على درجة الدكتوراه، وعندما عاد عين بجامعة الزيتونة مدرسًا فأستاذًا مساعدًا فأستاذًا، إلى أن أصبح عميدًا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين، كما عمل بمصلحة النشر بوزارة الثقافة، وقد امتد نشاطه للتدريس بالجامعات العربية المختلفة: في جامعة محمد الخامس، والقرويين بفاس، وجامعة بنغازي، وبكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالبيضاء، وحاضر بدار الفكر بالرباط، وألقى محاضرات بمعهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة، وفي جامعة آل سعود بجدة. وانتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة في سنة 1971م في الكرسي الذي خلا بوفاة الأستاذ الشيخ محمد الفاضل بن عاشور الذي كان أستاذًا له، وظل مفتي الديار التونسية حتى أصبح رئيسًا لمجمع الفقه الإسلامي بجدة. والنشاط العلمي للدكتور الشيخ الحبيب بن الخوجة متعدد، فهو عضو في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وهو كذلك عضو بلجان علمية كثيرة، مثل: لجان الموسوعة الفقهية، وإحياء التراث بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو بالجمعية الخلدونية، ويتسع نشاطه العلمي للتأليف والتحقيق، وإنتاجه فيهما يدور حول ثلاثة أبواب: البحوث الإسلامية، وقد كتب فيها عن "العمل والجهاد في الإسلام"، وعالج موضوع "الأخلاق الإسلامية"، و"موقف الإسلام من التطور والتجديد". وقد ظهرت له سلسلة بعنوان "مواقف إسلامية". أما الباب الثاني: فيدور حول الدراسات الأدبية واللغوية والتاريخية، فعرض لبعض الكتاب والشعراء القدامى والمعاصرين أمثال: الشاب الظريف، وصفي الدين الحلي، وشوقي، والجارم، وأحمد أمين. كما تتبع مراحل الأدب التونسي من الفتح الأغلبي إلى الدور العبيدي والصنهاجي، ثم إلى العهد الحفصي والتركي، حتى يصل إلى العصر الحديث. كذلك تناولت دراساته الأزجال والموشحات الأندلسية والمغربية. وكتب عن نشأة النحو العربي، والمدارس النحوية المتعاقبة في المشرق العربي، وكذلك نشأة علم البلاغة والمذاهب البلاغية. أما تحقيقاته، وتمثل الباب الثالث من إنتاجه العلمي، فقد حقق: مناهج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني، وهو الذي نال به درجة الدكتوراه، كما حقق ديوان حازم، وحقق كذلك رحلة ابن رشد (721هـ)، و"السنن الأبين والمورد الأمعن في السند المُعَنْعَن" و"إفادة النصيح".

نشاطه المجمعي:

منذ أن انضم الدكتور الحبيب إلى ركب المجمعيين وهو يتابع أعمال مؤتمرات المجمع، وقد أسهم في بعضها ببحوث وكلمات، وبالمناقشة للأعمال المعروضة على المؤتمر سواء اللغوية منها والعلمية. ومن كلماته وبحوثه بالمجمع. 1- كلمته في حفل استقباله. (مجلة المجمع ج 29). 2- العربية في تونس بين الفصحى والعامية. (مؤتمر الدورة 44- مجلة المجمع ج 41). 3- الحياة الثقافية بإفريقية صَدْرَ الدولة الحفصية. (مؤتمر الدورة 41).

وقد قال عنه الدكتور إبراهيم مدكور في حفل استقباله:

"والحق أن زميلنا يعول على التاريخ التعويل كله، ولقد تطلب هذا منه اطلاعًا واسعًا، وقراءة مستفيضة، وأضحى حجة في تاريخ الثقافة التونسية بخاصة، والإسلامية بعامة"، ثم أشار الدكتور مدكور إلى تحقيق الدكتور الحبيب لكتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" لحازم القرطاجني فقال: "والواقع أن هذا الكتاب يتصل اتصالًا وثيقًا بموضوع دار حوله شيءٌ من الأخذ والرد، ونعني به موضوع الصلة بين الدراسات الأدبية العربية وبعض الآراء والنظريات الأدبية الهيلينية ؛ وقد أنكر هذه الصلة فريق، وأيدها آخرون". "وسبق لابن الأثير أن ذهب إلى أن كلام أرسطو، ومن بعده ابن سينا في الخطابة والشعر لغو، ولا يستفيد به صاحب الكلام العربي شيئًا، ولكنا نعتقد أنه لم يبق اليوم شك في أن البلاغة العربية تأثرت بالفلسفة والمنطق على الأخص. وقديمًا فرق بين الطريقة الكلامية والطريقة الأدبية، وما الأولى إلا درس للبلاغة في ضوء الكلام والفلسفة، ويشهد تاريخ البلاغة بأن الكثيرين ممن كتبوا فيها فلاسفة أو متفلسفون كقدامة بن جعفر، والجرجاني (472 هـ)، وحازم القرطاجني واضح وصريح كل الصراحة في هذه الناحية، فقد أخذ بآراء أرسطو وتلاميذه من المشائين العرب، وعول على كتاب "الشعر" لابن سينا، وأحال عليه عدة مرات، وهو مستمد من كتاب "الشعر الأرسطي" ولا غرابة، فحازم تلميذ ابن رشد، وإن لم ينقل عنه، وآثر النقل عن الفارابي وابن سينا؛ ونزعته الفلسفية والمنطقية واضحة. لقد عنينا بتاريخ الثقافة العربية في عصورها الأولى، وعالجنا شيئًا من تاريخها المعاصر والحديث، وأغفلنا مرحلة طويلة بين هذين الطرفين. أغفلنا – أو كدنا – ما بين القرنين السادس والثاني عشر الهجريين، وهي حقبة على ما بها جديرة بالبحث والدرس. وفي جهود زميلنا الكريم الأستاذ الحبيب بن الخوجة ما يلقي أضواء عليها؛ وما يكشف عن الصلات الوثيقة بين ثقافة المغرب الإسلامي، وثقافة المشرق، وقد رأيتم كيف طوف بأرجاء الثقافة العربية وأحاط بجوانبها المختلفة، وفي زمالته الكريمة خير عون لمجمع الخالدين على أداء رسالته". (مجلة المجمع ج 29). ومما يسعدني أن اجتمعت أنا والدكتور الحبيب بن الخوجة، على المحبة والإعجاب بحازم القرطاجني. ومع أن الزمن فصل بنصف قرن بين تحقيقي لـ "مقصورة حازم القرطاجني" واتخاذها موضوعًا لدرجة الدكتوراه، وتحقيق الزميل الدكتور ابن الخوجة لـ "منهاج البلغاء" لحازم القرطاجني واتخاذه موضوعًا لدرجة الدكتوراه كذلك، فإن هذا الشاعر العظيم، فطيم الأندلس وقرطاجنَّتها، ونزيل تونس وقرطاجنَّتها، كان في عبقريته إرهاص للجمع بيني وبين زميلي الحبيب بن الخوجة – تأليفًا للعملين العظيمين اللذين عرف بهما، وعرفنا نحن بهما، وزمالة كريمة ضمتنا في المجمعين الكريمين، مجمع اللغة العربية، ومجمع البحوث الإسلامية.

- -