1870 - 1951
(سابق 1940) أعضاء
الأستاذ عبد العزيز فهمي حجازي عمر علم من أعلام السياسة والقانون والأدب. ولد بكفر المصيلحة، بمحافظة المنوفية سنة 1870م. وتلقى تعليمه الأولي، وحفظ القرآن ببلدته ثم جوّده، وحفظ كثيرًا من متون العلوم بجامع السيد البدوي بطنطا. ثم التحق بمدرسة الجمالية الابتدائية وتحول منها إلى مدرسة طنطا الابتدائية، وبعد أن أتم تعليمه الابتدائي التحق بمدرسة طنطا الثانوية وكان ذلك عام 1884م، ثم انتقل منها في العام التالي إلى المدرسة الخديوية بالقاهرة على إثر إلغاء الإنجليز المدارس الثانوية بالأقاليم؛ إلا أنه لم يقض بها سوى عام واحد تقدم بعده لامتحان القبول بمدرسة الحقوق، وفي السنة النهائية بمدرسة الحقوق، ولم يبق على الامتحان سوى بضعة أشهر، التحق بوظيفة مترجم بنظارة الأشغال. تخرج سنة 1890م، ثم تقلب بعد ذلك في عدة وظائف، فاشتغل معاون إدارة(*) بمديرية الدقهلية، ثم كاتبًا بمحكمة طنطا الجزئية، ثم عضوًا بنيابة إسنا، فنيابة نجع حمادي، فنيابة بني سويف حيث التقى هنالك بزميله في المدرسة الخديوية، أحمد لطفي السيد. ثم عين في سنة 1897م وكيلًا للمستشار القضائي بديوان الأوقاف وظل هناك حتى سنة 1903م، حين فضل أن يعمل بالمحاماة، ففتح مكتبًا بميدان العتبة الخضراء (بالقاهرة). ثم انتخب نائبًا عن قويسنا في الجمعية التشريعية سنة 1913م. وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى كان من أعضاء الوفد المصري الذي أنابه الشعب المصري في مصر سنة 1918م للسعي في استقلال مصر، بزعامة سعد زغلول، وكان أحد الثلاثة الذين ذهبوا عقب انتهاء الحرب سنة 1918م إلى دار الحماية للمطالبة بحق مصر في الاستقلال، وهم سعد زغلول باشا، ومحمد شعراوي باشا، وعبد العزيز فهمي باشا.
وقد تولى في أوائل سنة 1925م رياسة حزب الأحرار الدستوريين خلفًا لعدلي يكن باشا الذي آثر حياة الهدوء، وفي هذه السنة اختير وزيرًا للحقانية (العدل) في وزارة أحمد زيوار باشا، وظل يشغل رياسة الحزب إلى أن حدث الائتلاف بين الأحزاب المصرية، فكانت فرصة سانحة لاعتزاله السياسة. وقدم على إثرها استقالته من رياسة الحزب، وعدل عن السياسة ليتفرغ لمهنته الأصلية وهي المحاماة. وقد اختير سنة 1928م ليكون رئيسًا لمحكمة الاستئناف وظل بها حتى استقال سنة 1930م، ثم عين في نفس العام رئيسًا لمحكمة النقض، ومكث بها إلى أن ختم حياته القضائية رئيسًا لتلك المحكمة. ومن آثاره أنه ترجم عن الفرنسية: "مدونة جوستنيان في الفقه الروماني"، ويتبعها ملاحق عن نظام للمواريث وضعه جوستنيان، ثم بعض قواعد وتقريرات فقهية رومانية، وبعض تقريرات أخلاقية.
اختير الأستاذ عبد العزيز فهمي لعضوية المجمع سنة 1940م. وفي المجمع كان له نشاط كبير فاشترك في كثير من لجانه مثل: لجنة الأصول، ولجنة الاقتصاد، والقانون، ولجنة ألفاظ الحضارة الحديثة، ولجنة اللهجات ونشر النصوص القديمة. وقد تقدم للمجمع باقتراح رأى أنه السبيل لتيسير الكتابة العربية وجعلها صالحة لضبط النطق، وهو استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية. (د 10 جلسة 5 للمؤتمر – تيسير الكتابة العربية ص1). وقد كان لهذا الاقتراح صدى كبير، فكان مجالًا لمناقشات طويلة لم تقتصر على قاعة جلسات المجمع، بل تعدتها إلى الصحافة وإلى الهيئات المعنية بالدراسات اللغوية، وانتهى الأمر فيه إلى رفضه. كما عارض مشروع تيسير الكتابة الذي كان مقدمًا من الأستاذ علي الجارم. (د 10 جلسة 10 للمؤتمر – تيسير الكتابة العربية ص 85).
"كان عنيفا إذا خاصم، وكان رقيقًا حلوًا إذا أحب، وكان وفيًّا كأحلى وأعذب وأقوى ما يكون الوفاء. أقول ذلك عن علم مني به، لا عن حديث نقل إلي، كذلك كان عبد العزيز فهمي مثقفًا في اللغة والدين، عميق الثقافة مؤمنًا بهذا أشد الإيمان، مترف الذوق فيها إلى أقصى حدود الترف. "وما أنس لا أنس ذات مساء ذهبت زائرًا لعبد العزيز فهمي، فرأيت حوله جماعة من شباب أسرته وشيوخهم، وهو يقرأ عليهم سورة "الطور"، ويبين لهم أن القرآن روعة لم يستطع الناس أن يستقصوها إلى الآن، ويبيِّن لهم سرعة الحركة في هذه السورة، ويقرؤها عليهم بهذه السرعة ليبيِّن لهم القوة، وأن في القرآن موسيقا لم يتنبه إلى دقائقها المفسرون والأدباء. ولم يكن يقرأ القرآن وحده، ولكنه كان يتعمق في الأدب، والأدب القديم خاصة، وما أعرف أن أحدًا ناقشني في الشعر الجاهلي كما ناقشني فيه عبد العزيز، وما أعرف أن أحدًا أصلح من رأيي في الشعر العربي كما أصلح من رأيي عبد العزيز، والغريب أنه كان في أثناء هذا كله محاميًا ممتازًا، ثم زعيمًا للقضاة في الاستئناف والنقض." (مجلة المجمع ج 8).
"وهو قوي عنيف مكافح في حياته السياسية، وهو يقف مواقفه المشهودة في الجمعية التشريعية، ثم وهو يذهب ثالث ثلاثة إذ هم أمام المعتمد البريطاني يطالبون باستقلال مصر؛ ثم وهو يثور مع سعد؛ ثم وهو يثور على سعد، ثم وهو يثور على خصوم سعد، ثم وهو يثور على السياسة كلها، ويعلن في جد وصرامة أنه يكفر بآلهة التاريخ، وهو قوي عنيف مكافح، في حياته الأدبية والفكرية، يوم نادى أن تكون الكتابة بالحروف اللاتينية، ويوم ثار على مبدأ تعدد الزوجات، ويوم نفر ممن قالوا إنَّ القانون الروماني مأخوذ من الفقه الإسلامي، فعكف في آخر حياته على الكتابة في القانون الروماني وهو أجف مادة في القانون. في كل هذه المواقف كان إحساسه مرهفًا وعاطفته مشبوبة، يفكر بعقله وبقلبه، ولعل أبرز ما يميز الفقيد في حياته الصاخبة المضطربة بالأحداث هو أنه كان يفكر بعقله وبقلبه، بل لعله كان يخضع عقله لقلبه؛ وهذا ما جعله قريبًا إلى كل نفس، فإن أرستقراطية العقل تبعد ذا العقل الكبير عن الناس، أما أرستقراطية القلب فتدنيه منهم". (مجلة المجمع ج 8). ومن أمجاده رياسته للاحتفال الذي أقيم للعيد الذهبي للمحاكم الأهلية، وخطبته التي ألقاها يومئذ في حضور جميع الممثلين لسلطات القانون والمحاكم المختلطة. وكان أول من طالب في اجتماع رسمي بإلغاء المحاكم المختلطة والامتيازات الأجنبية، وقد بدأ تلك الخطبة بقوله: "العدل من صفات الله الكبير المتعال". واختتمها بقوله: "إن مصر أصبحت مستحقة للتمتع بما تتمتع به كل أمة، من الاستقلال بإدارة العدل في ديارها بين قطانها أجمعين". وعقب صدور هذه الخطبة جعلتُها موضوعَ محاضرة في مادتها وأسلوبها لطلبة الليسانس بدار العلوم. (الخطبة كاملة في كتاب بين اليراع والقرطاس للدكتور مهدي علام). ومما لا يعرف عن هذا القانوني العملاق أنه كان شاعرًا مجيدًا. وقد أطلعني الزميل الأستاذ محمد شوقي أمين عضو المجمع، على قصيدتين طويلتين رصينتين له، يحتفظ بهما منذ أن كان كاتب سره في ضحى حياة هذا المجمع. (*) وظيفة كانت في مراكز الشرطة، يشغلها موظفون مدنيون يساهمون في أعمال ضباط الشرطة.