عبد الحميد مدكور

عبد الحميد مدكور
1942 -
(حالى 2003) أعضاء - أمناء
نشأته

وُلد الدكتور عبد الحميد عبد المنعم مدكور في الأول من أغسطس من عام 1942م في قرية باسوس القريبة من القاهرة، وكانت الظروف السائدة بها – آنذاك - يغلب عليها الالتحاق بالتعليم الديني في الأزهر الشريف، ولذلك اتجه منذ وقت مبكر إلى حفظ القرآن الكريم لدى واحد من أكبر محفظي القرآن الكريم في مصر كلها، وهو الحاج فرج عبد العاطي وأتم حفظ القرآن في العاشرة من عمره، ونال لذلك جائزة التفوق على مستوى محافظة القليوبية. ثم التحق بمعهد القاهرة الديني في الدراسة، وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان من أصغر الذين التحقوا به، وقد كانت الدراسة به تجري على أيدي صفوة من العلماء، الذين كان بعضهم حاصلًا على الدكتوراه، ومن هؤلاء: الدكتور عبد المنعم النمر، والدكتور موسى شاهين لاشين اللذان أصبحا وكيلين للأزهر فيما بعد، والأستاذ محمد فتحي عبد المنعم، وهو من الأزهريين العمالقة الذين درسوا في فرنسا، والدكتور أحمد الشرباصي الذي كان رائدًا لجمعية الشبان المسلمين. وكان وجوده بها يشجع الطلاب على الذهاب إليها، والاستماع إلى العلماء الكبار الذين يلقون المحاضرات بها، من أمثال الشيخ محمد أبي زهرة، والدكتور محمد يوسف موسى، والشيخ محمد الغزالي، واللواء محمد صالح حرب، رئيس الجمعية، والدكتور محمد بن فتح الله بدران وآخرين. ويسر الله له طريق التفوق، فكان من أوائل دفعته، لاسيما في المرحلة الثانوية. وقد اتجه إلى إتمام دراسته العليا في كلية دار العلوم، التي اتصل بعلومها وكتبها قبل أن يلتحق بها، وكانت أسماء أعلامها الكبار تتجلى أمام ناظريه، داعيةً وجاذبةً له إلى أن يكون من بين أبناء هذه الكلية العريقة، التي كانت تتميز من بين المؤسسات المعنية بدراسة علوم اللغة والشريعة – بجمعها بين القديم والجديد – أو ما عُرِف بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، وكان اتصال كثير من أساتذتها بالدراسات الحديثة في الشرق والغرب يزود أبناءها بحصيلة ثمينة من المعرفة الإنسانية الرفيعة، التي ليست متاحة – بهذا القدر – من العمق والتنوع، والجدة في غير دار العلوم، وأُضيفَ إلى هذا الرغبةُ في الدراسة على منهج لا يتوقف عند الطرائق القديمة، التي يغلب عليها الطابع الشكلي الذي يكتفي في أحيان كثيرة بالجوانب اللفظية للنصوص، مع التعمق في افتراض المشكلات، واقتراح الحلول، ولكنه رغب – في أن يجمع إلى ذلك الاتصال بالفكر الحديث ومناهجه المتطورة، التي كان يرجع بها هؤلاء الأساتذة الدارسون في الجامعات الأوربية، وهكذا التحق بهذه الكلية، وأسعده الله بالتفوق فيها فكان أول زملائه أو الثاني بينهم، وكان من فضل الله عليه أنه لم يتأخر عن أحد هذين الموقعين. وقد أنهى الدراسة بمرحلة الليسانس بالحصول على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1966م.

ثم اختير للدراسة بقسم الفلسفة الإسلامية الذي كان يرأسه عميد الكلية المغفور له بإذن الله تعالى – الأستاذ الدكتور محمود قاسم، وهو أحد العمالقة الكبار الذين أنجبتهم كلية دار العلوم وقد كان ذا منزلة رفيعة بسبب شموخه العلمي، وقوة شخصيته، وتمكن النزعة النقدية لديه وظهر هذا في نتاجه العلمي الغزير: تأليفًا وترجمةً وتحقيقًا، إلى فضائل خلقية وعلمية كثيرة، يضيق المقام عن ذكرها، وكان لهذا كله أكبر الأثر في التكوين العلمي لمن يدرسون على يديه، وقد درس كذلك على يد نخبة من أكبر أساتذة الفلسفة، ومنهم الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة والدكتور علي النشار، والدكتور محمد علي أبو ريان، والدكتور أحمد غراب، والدكتور محمد كمال جعفر. كما كان – عندما اتجه إلى دراسة التصوف- على صلة وثيقة بالدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر فيما بعد. وفي أثناء العمل في الدكتوراه أتيحت له فرصة السفر إلى فرنسا مدة من الوقت التقى فيها بعديد من الأساتذة، وعلى رأسهم الأستاذ روجيه أرنالديز، وانتهت هذه الفترة بالحصول على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم 1980م، بدأت بعدها أعباء التدريس والقيام بالبحوث العلمية.

والدكتور عبد الحميد مدكور مؤلف مجيد متنوع المجالات، فمن كتبه:

1– أبو طالب المكي ومنهجه الصوفي رسالة ماجستير 1972م، وقد طُبعت فيما بعد بدار الكتب المصرية. 2– الولاية عند محيي الدين بن عربي رسالة دكتوراه، 1980م. 3– دراسات في علم الأخلاق، 1990م. 4– نظرات في حركة الاستشراق، 1990م. 5– في الفكر الفلسفي الإسلامي: مقدمات وقضايا، 1993م. 6– بواكير حركة الترجمة في الإسلام، 1995م. 7– دراسات في العقيدة الإسلامية، 2000م. 8– نظرات في التصوف الإسلامي، 2001م. 9– تمهيد لدراسة علم الكلام، 2003م. 10– في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، 2003م. 11- دروس في الفلسفة الإسلامية، 2013م. 12- دراسات في الأديان، 2016م.

وله باع طويل في تحقيق التراث من ذلك:

1– تحقيق الأجزاء 2، 3، 4، 5 من كتاب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية، نشرته دار الكتب والوثائق القومية. 2– تحقيق كتاب كشف التمويهات لسيف الدين الآمدي مع الدكتور حسن الشافعي في ثلاثة مجلدات، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر. 3– قدم وأشرف على تحقيق تفسير الطبري، وهو نشرة جديدة في عشرة مجلدات. طبع دار السلام. القاهرة 2004، 2005م.

وله مقالات وبحوث عديدة في الفلسفة الإسلامية وفي الدعوة إلى الإسلام وفي الدفاع عنه منها:

1– الإسلام والفكر. نشر بحولية كلية دار العلوم.. جامعة القاهرة 1989م. 2– الدين والفلسفة عند إقبال، ألقي البحث ضمن أبحاث الندوة العلمية التي عقدها المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1989 بعنوان: نحو فلسفة إسلامية معاصرة، ونشر ضمن مطبوعات هذا المعهد – القاهرة 1994م. 3– المنهج في علم أصول الفقه. ألقي البحث في المؤتمر الذي عقد بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة – الجزائر، في سبتمبر 1989م بعنوان: قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، ونشر ضمن مطبوعات وأعمال المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1996م. 4– لمحة عن نشأة التصوف عند المسلمين، نشر بمجلة المسلم المعاصر 1991م. (ترجم هذا البحث إلى اللغة التركية. ونشرت الترجمة بمجلة كلية الإلهيات بأنقرة – تركيا 1996م). 5– حي بن يقظان، نشر بمجلة كلية الآداب جامعة القاهرة 1992م. 6– النهضة الإسلامية في فكر محمود قاسم، نشر ضمن الكتاب التذكاري الذي صدر في عام 1993م بمناسبة مرور عشرين عامًا على وفاته. 7– جوانب من التفكير الديني عند العقاد، نشر بحولية كلية دار العلوم 1996م. 9– الترجمة والحوار مع الآخر، نشر بالكتاب التذكاري للمؤتمر الدولي الأول للفلسفة الإسلامية الذي عقد بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة 1998م وصدر الكتاب 1999م. 10– أفعال العباد عند الصوفية، تشر بالكتاب التذكاري للمؤتمر الدولي الثالث للفلسفة الإسلامية الذي عقد بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة 1998م وصدر الكتاب 1999م. 11– الإسلام والغرب في ظل العولمة، نشر بالكتاب التذكاري للمؤتمر الدولي الرابع للفلسفة الإسلامية، الذي عقد بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة 1999م، وصدر الكتاب سنة 2000م. 12– الحوار الإسلامي المسيحي ( دراسة لإحدى الوثائق ) نشر البحث ضمن الكتاب التذكاري للمؤتمر الدولي الخامس للفلسفة الإسلامية، الذي عقد بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة سنة 2000م، وصدر الكتاب سنة 2001م. 13- لمحة عن الصهيونية: ( بعد تمهيد في مواجهة الأمة الإسلامية للأخطار عبر التاريخ ) طبع البحث ضمن كتاب الثقافة الإسلامية والتحديات المعاصرة، الذي طبعته وتقوم بتدريسه جامعة قطر، وطبع الكتاب عام 2000م. 14– الاستشراق، طبع البحث ضمن الكتاب الذي سبقت الإشارة إليه، بقطر 2000م. 15– المشروع الحضاري لمالك بن نبي، ودور العقيدة فيه، نشر ضمن الكتاب التذكاري للمؤتمر الدولي السادس للفلسفة الإسلامية، الذي عقد بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة 2001م، وصدر الكتاب سنة 2002م. 16– الدعوة الإسلامية في عصر العولمة، مقدم إلى الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالرياض، ضمن مؤتمرها الذي انعقد بتاريخ 22 – 25 /10/2002م وطبع بكتاب المؤتمر سنة 2002م، ثم صدرت منه طبعة مستقلة بمطبعة دار السلام. 19– الإيمان بالقدر في القرآن الكريم، طبع بمجلة الدراسات القرآنية التي يصدرها مركز الدراسات الإسلامية بجامعة لندن 2003م. 20– العناية الإلهية، ومشكلة وجود الشر في العالم، عند صدر الدين الشيرازي، نشر بحولية كلية دار العلوم – جامعة القاهرة 2003م. 21– الأصول الاعتقادية في فكر الإمام الشاطبي، نشر بمجلة المسلم المعاصر، مصر العدد 113، 2000م. 22– العلم في الإسلام بين ماض وحاضر، نشر بالكتاب التذكاري للمؤتمر الدولي الثامن للفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم 2004م. 23– الفكر الفقهي للدكتور محمد البلتاجي: أصوله وقواعده المنهجية. بحث ألقي في مجمع اللغة العربية في 31 مايو 2004م، ونشر ضمن أعمال المجمع. 24– اللغة العربية والحضارة الإسلامية، بحث ألقي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أكتوبر 2004م ونشر في كتاب ضمن أعمال وحدة حوار الحضارات بالكلية. 25– الإسلام، دعوة للتسامح والحوار، بحث ألقي بمؤتمر: الإسلام والأديان الأخرى في آسيا، سيول، كوريا الجنوبية، وطبع ضمن أعمال المؤتمر، نوفمبر 2005م. 26– العرب والتفكير الفلسفي، بحث مطبوع ضمن كتاب: الدكتور محمود حمدي زقزوق، ونصف قرن من العطاء، القاهرة 2006م.

نشاطه المجمعي:

انتخب الدكتور عبد الحميد مدكور عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 2003م، في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور محمد رشاد الطوبي. وفي عام 2016م انتُخب أمينا عاما للمجمع، وفي يناير 2017م انتخب أمينا عاما لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، واستمر في هذين العملين حتى اليوم (2022م)، وهو المشرف على أعمال الاتحاد، ومن أهمها المعجم التاريخي لألفاظ اللغة العربية. اختير مقررًا للجنة الفلسفة الإسلامية في أكتوبر من العام نفسه كما شارك في عضوية لجان الشريعة والفيزياء ولجنة إحياء التراث. مثل المجمع في مؤتمر دولي أقيم في لبنان في فبراير 2004م، لبحث مشكلات اللغة العربية في التعليم، واقتراح الحلول لها. شارك في تأبين المغفور له الدكتور محمد البلتاجي عضو المجمع الذي توفي عام 2004م.

يقول عنه الدكتور محمد حسن عبد العزيز عضو المجمع:

"ما ذكرناه من إنتاج الدكتور عبد الحميد مدكور يكشف عن عالم محيط بالفلسفة الإسلامية بمختلف فروعها واتجاهاتها في القديم والحديث. وإنك لتجده من المناطقة حين يكتب في المنطق، ومن المتكلمين حين يكتب في علم الكلام، ومن المتصوفة حين يكتب في التصوف، ومن الأصوليين حين يكتب في الأصول، وهو في كل ما يكتب واسع الأفق عميق النظرة واضح الهدف. بيد أن ما يبهرك حقًّا معرفته الواسعة العميقة بالتصوف الإسلامي في صورتيه الفلسفية والسنية وهذا واضح في رسالتيه عن أبي طالب المكي ومحيي الدين بن عربي وواضح أيضًا في دعوته الصريحة إلى الاستفادة من تجارب الصوفية في الأخلاق وفي تحليهم بآداب الطريق. والدكتور عبد الحميد مدكور رفيق طريق في دار العلوم وفي المجمع، يحظى بحب كل من يعرفه ولهذا ندعوه فيما بيننا - نحن أصدقاءه - مولانا الصغير تمييزًا له عن مولانا الكبير الدكتور حسن الشافعي، ونحن كلنا نكنُّ لهما كل الحب والتقدير".

- -