أحمد حسـن الزيات

أحمد حسـن الزيات
1885 - 1968
(سابق 1949) أعضاء
نشأته

الأستاذ أحمد حسن الزيات أحد أدباء مصر المرموقين الذين يعتز بهم العالم العربي، وكان له في خدمة الأدب حقبة متميزة طولها عشرون عامًا في مجلته "الرسالة"؛ وكان له في خدمة اللغة حقبة متميزة طولها عشرون عامًا في مجمع اللغة العربية. وكان له في خدمة اللغة والأدب والثقافة العربية – في أوسع إطار لها وأدق تصوير لها – حقبة تبلغ خمسًا وستين سنة مباركة، ملأ فيها بضعة آلاف من الصفحات التي تضيء بأفكاره، وتشرق بأسلوبه، وتشع بإخلاصه.

ولد الزيات

في الثاني من شهر أبريل سنة 1885م([1]) في كفر دميرة القديم بمحافظة الدقهلية، ودخل كتاب القرية وهو في الخامسة من عمره، وحفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة، ثم جوده ببعض القراءات السبع، والتحق بالأزهر قبل بلوغه الثالثة عشرة من عمره. وعلى مدى نحو عقد من الزمان كان عمله مع زميليه في الدراسة (طه حسين ومحمود الزناتي) موزعًا بين عدم إقبال منتظم على الدروس التقليدية في الأزهر، والعكوف على قراءة الأدب، والتردد على الجامعة المصرية الأهلية التي قامت سنة 1907م. وتعلم هو وزميله طه اللغة الفرنسية وانصرف ثالثهما إلى المكتبات ودكاكين الوراقين.

وعمل الزيات

درسًا للغة العربية بمدرسة الفرير بالخرنفش نحو سبع سنوات، علم فيها العربية، وتعلم الفرنسية. وقد أنصف نفسه – وزميلًا آخر كان معه – بعد مدة من قيامه بعمله في مدارس الفرير. فكتب في سنة 1942م بمناسبة رثائه لزميل له في التدريس يقول: "من الإنصاف للحقيقة والتاريخ أن أقول بهذه المناسبة: إن الذي ألف كتابَيْ سفينة النحاة وسفينة البلغاء هو الشيخ سيد الشايب، وإن الذي حرر كتاب بحر الآداب في أجزائه الخمسة ووضع نثره ونظمه في هذا الأسلوب الأخير هو الشيخ أحمد حسن الزيات، وكان الرجلان مدرسين في كلية الفرير". (وحي الرسالة ج 2 ص 375 هامش 2 طبعة 1963م). وفي سنة 1914م انتقل الأستاذ الزيات للتدريس في المدرسة الإعدادية الثانوية بالظاهر وظل فيها حتى سنة 1922م. وهو يقول في وصف هذه المرحلة من حياته: كنا في ذلك الوقت "نحمل فيمن حملوا أمانة التعليم في المدرسة الإعدادية([2]) الثانوية التي أسسها في حي الظاهر من القاهرة المغفور له الشيخ عبد العزيز جاويش ليصلح بها ما أفسد الاحتلال الإنجليزي من مناهج التعليم ونظمه... (وكان معنا في هذه المدرسة) أحمد زكي، والكرداني، والعبادي، والغمراوي، وخلاف، وبدران، وكامل سليم، وكانوا بعد ذلك من أساطين النهضة الحديثة في وزارة المعارف والجامعة" ولو شاء لأضاف: وفي مجمع اللغة العربية.

ثم اشترك مع هؤلاء الأساتذة في إنشاء "لجنة التأليف والترجمة والنشر". وفي عام 1922م اختارته الجامعة الأمريكية بالقاهرة رئيسًا للقسم العربي بها، وفي العام نفسه التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة، فأمضى عامين بها هنا، وأمضى العام الثالث بباريس حيث أدى امتحان الليسانس. (وحي الرسالة ج 1 ص 448 – 451، الطبعة السابعة).

وفي سنة 1929م سافر إلى العراق لثلاث سنوات أستاذًا للآداب العربية بدار المعلمين العليا ببغداد.

وفي سنة 1933م أنشأ مجلة "الرسالة" التي ظلت أكثر من ربع قرن تحمل رسالة الفكر العربي في كل مكان في العالم الناطق بالضاد؛ وكانت مدرسة حقيقية ربت جيلًا وأنشأت أدبًا، وثقفت وعلمت. وقامت على صفحاتها معارك النقد والتجديد حتى احتجبت سنة 1953م. ثم عادت للظهور مرة أخرى، ثم احتجبت. وقد جزع قراؤها لذلك أشد الجزع، ولكن الزيات قابل هذا بنفس الإباء الذي كان يشعر به و"الرسالة" في أوجها، فقد كتب يقول: "ولو أرادت (الرسالة) زهرة الحياة الدنيا لعرضت ضميرها للبيع، وقلمها للإيجار، ويومئذ تتحول أكداس الورق في مطبعتها العجيبة، من أوراق طبع إلى أوراق نقد ولكن الله الذي حبب في سبيله إلى المجاهد الأول الاستشهاد، وليس في مزوده إلا حفنة من سويق، أو قبضة من تمر، حبب إلى (الرسالة) الجهاد في الميدان المجدب الموحش، ولا عدة لها إلا الصدق والصبر والزهد، لتظفر بنصر المجاهد إذا فاز، أو بأجر الشهيد إذا قتل. (وحي الرسالة ج 4 ص 103 – 104، الطبعة الأولى).

ولم يضع الزيات القلم بل تولى رياسة التحرير لمجلة " الأزهر " عدة سنوات، واصل فيها ريادته للأدب، وعنايته باللغة، ودعوته للإسلام. وقد كرمته الدولة بجائزة الأدب في سنة 1953م عن كتابه وحي الرسالة. ولما عدل قانون جوائز الدولة، وأصبحت جائزة تقديرية، لا عن كتاب أو عمل من الأعمال، بل صارت تتويجًا لحياة كاملة، كرمته الدولة مرة أخرى فمنحته سنة 1962م الجائزة التقديرية في الأدب، كما اختارته عضوًا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.

وبعد فأنا لم أنس إسهام الزيات في أدب الرواية، ولا ريادته للأقصوصة، كتابة وفنًا ونشرًا في مجلته "الرواية" صنوة "الرسالة" التي استقلت عنها ثم انضمت تحت جناحها. ولم أنس "الرسالة" الثانية التي ردت لهفة الأدب والأدباء بين سنتي 1963 و1965م، ولم أنس آراءه في النقد، وموقعه من الشعر الحديث، ومعارضته لما يسمى بالشعر الحر، وحربه للعامية، وتقييمه لأدب الجنس، ولم أنس دفاعه عن المرأة.

ولم أنس بحوث الزيات في مجمعنا الموقر،

وهي في مجلدات مجلته مراجع علمية وثيقة، ولم أنسه - في لجان المجمع - بسمته الوقور، ولفظه المقتصد، ورأيه الممحص. وقد كان لي شرف العمل معه في عدد من اللجان: في لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب منذ أنشئ سنة 1954م وكنت مقررًا لها، ثم في لجنة الأدب بالمجمع، وكان هو أحد من شرفوني بانتخابي لرياستها. لم أنس شيئًا من هذا، ولكن استقصاء أعماله يحتاج إلى مجلد ضخم يسمى من أدب الزيات، ويسعدني أني وجهت أحد تلاميذي (الدكتور علي الفقي) لتطوير ما كتبته عنه في رسالة جامعية حازت القبول بكلية دار العلوم وأكتفي هنا بإشارات سريعة لإنتاجه العلمي: 1– دفاع عن البلاغة. 2– وحي الرسالة أربعة أجزاء. 3– في أصول الأدب. 4– في ضوء الرسالة. 5– تاريخ الأدب العربي. وهذه الكتب أعيدت طبعاتها عدة مرات، بل إن تاريخ الأدب العربي طبع أكثر من عشرين طبعة. ومن مترجماته: آلام ڤرتر (وقد طبعت ثماني طبعات) وروفائيل (وقد طبعت تسع مرات).

ومنذ التحاق الأستاذ الزيات بالمجمع سنة 1949م،

في المكان الذي خلا بوفاة الأستاذ أنطون الجُميِّل، وهو دائب على العمل في لجانه: في لجنة تيسير الكتابة، ولجنة ألفاظ الحضارة، ولجنة معجم ألفاظ القرآن الكريم، ولجنة الأدب، ولجنة اللهجات، ولجنة الأصول، ولجنة المعجم الكبير، ولجنة المعجم الوسيط، وكان أحد الأعضاء الأربعة الذين تولوا إخراج طبعته الأولى.

وله عدة اقتراحات فنية في توجيه العمل في المعاجم وجلسات المجمع.

ومن أهم الكلمات التي ألقاها في المجمع: 1– الكلمة التي ألقاها في حفل استقباله. (مجلة المجمع ج 8). 2– الوضع اللغوي وهل للمحدثين حق فيه؟ (مجلة المجمع ج 8). 3– كلمة عن الشعراء الفائزين بمسابقة المجمع. (مجلة المجمع ج 8). 4– المجمع واللغة العامة. (مجلة المجمع ج 9). 5– من ألفاظ الكتاب المحدثين. (مجلة المجمع ج 9). 6– كلمة في تأبين الأستاذ إبراهيم مصطفى. (مجلة المجمع ج 16). 7– كلمة في تأبين الأستاذ محمد رضا الشبيبي. (مجلة المجمع ج 22). 8– كلمة في رثاء الأستاذ محمد فريد أبو حديد. (مجلة المجمع ج 23).

قال عنه الدكتور مهدي علام يوم تأبينه في 19 نوفمبر 1968م:

"لقد حدث أنه في خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، أصيب الأدب العربي بخسارتين فادحتين: كانت أولاهما احتجاب "الرسالة"، وكانت الثانية احتجاب الزيات (...) وحين احتجبت "الرسالة" كان عزاؤنا بقاء صاحبها بيننا يواصل نشاطه الأدبي العظيم. واليوم وقد احتجب عنا الزيات نجد بعض عزائنا في بقاء "الرسالة" سجلًا أدبيًّا وتاريخيًّا معاصرًا لحركتنا الفكرية. بل نجد تلاميذ "الرسالة" الذين خطوا خطواتهم الأدبية الأولى على صفحاتها، وقد أصبحوا اليوم من أعلام الفكر والقلم، يواصلون رسالة الزيات في خدمة اللغة والفكر والأدب". (مجلة المجمع ج 24).

(1) عندما كنت أكتب تأبينه، أخبرني الدكتور علاء الزيات، نجل الفقيد، أن والده أخبره أن هناك خطأ في تاريخ ميلاده، وأن التاريخ الحقيقي يسبق التاريخ المشهور بسنتين. ويبدو أن عدم اهتمام الزيات بتصحيح التاريخ تصحيحًا رسميًّا يرجع إلى أنه لم يكن موظفًا حكوميًّا، بل نحن نعرف أنه لم يقبل ما عرض عليه من وظائف الحكومة. (انظر وحي الرسالة ج 4 ص 117 الطبعة الأولى).

(1) كلمة "الإعدادية" لم تكن تعني ما تعنيه الآن من مرحلة تعليمية وسطى بين التعليم الابتدائي والثانوي، بل كانت تعني التعليم الثانوي، وهي مدرسة غير حكومية قامت في العقد الثاني من هذا القرن، بجهة "الظاهر" بالقاهرة، وقام بالتدريس فيها عدد كبير من أفاضل المدرسين الذين ضاقت عنهم مدارس الدولة بسبب الحرب العالمية الأولى، ومن هؤلاء الأساتذة خمسةٌ أصبحوا أعضاء في مجمعنا هذا.

- -